بعد أكثر من نصف عام على حرب غزة.. انهيار وشلل شبه تام بالاقتصاد "الإسرائيلي"
بعد أكثر من نصف عام على حرب غزة.. انهيار وشلل شبه تام بالاقتصاد "الإسرائيلي"
بعد أكثر من 200 يوم على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تبدو صورة الاقتصاد الإسرائيلي قاتمة على عدة أصعدة، ففاتورة العدوان أصبحت كبيرة لدرجة أن اقتصاد كيان الاحتلال الصهيوني لم يعد قادراً على سدها، حيث أصيبت قطاعات اقتصادية كاملة بشبه شلل وخرجت رؤوس أموال أجنبية ومحلية بحثاً عن ملاذات آمنة.
العدوان الإسرائيلي على غزة أثر بشكل لافت على النمو الاقتصادي الإسرائيلي في آخر 3 أشهر من عام 2023 بشكل أكبر مما كان متوقعاً، إذ ذكر المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء في ثالث تقدير له أن الاقتصاد انكمش 21% في الربع الأخير من 2023 على أساس سنوي مقارنة بالربع السابق عليه.
وجاء ذلك بعد انخفاض 19.4% في التقدير الأولي الذي تم تعديله الشهر الماضي بالانكماش 20.7%.
الحرب المستمرة إلى الآن على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر أدت أيضاً إلى انخفاضات حادة بالصادرات بنسبة 22.5% ، و26.9% بالإنفاق الخاص، و67.9% بالاستثمار في الأصول الثابتة، و42.4% بالواردات، في الربع الأخير، إضافة إلى أن معدل التضخم السنوي ارتفع بأكثر من المتوقع إلى 2.7% في مارس/آذار من 2.5% في فبراير/شباط.
بينما بلغت قيمة الديون الإسرائيلية 160 مليار شيكل (43 مليار دولار) عام 2023، من بينها 81 مليار شيكل (21.6 مليار دولار) منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023
وفي غضون ذلك قدمت وكالات التصنيف الائتماني الدولية الكبرى صوراً قاتمة عن الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب، حيث أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني تخفيض تصنيف إسرائيل درجة واحدة، من "إيه إيه-" (-AA) إلى "إيه +" +A، وقالت "لا تزال التوقعات سلبية، وستتم مراجعة التصنيف مرة أخرى في العاشر من مايو/أيار المقبل".
وأضافت الوكالة في بيان لها "نتوقع أن يتسع العجز الحكومي العام لإسرائيل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي".
وتتابع الوكالة أن "العجز المرتفع سيستمر على الأمد المتوسط، وديون الإدارة العامة ستصل ذروتها لتبلغ 66% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026".
وتعكس النظرة المستقبلية السلبية احتمالية تصاعد الحرب بين إسرائيل وحركة حماس والمواجهة مع حزب الله أو التأثير على اقتصاد إسرائيل بشكل أكبر مما تتوقعه الوكالة الآن.
وهذه هي المرة الثانية التي تشهد فيها إسرائيل خفضا في تصنيف ديونها طويلة الأجل.
ففي شباط/فبراير الماضي، خفضت الوكالة تصنيف إسرائيل درجة واحدة، بسبب النزاع مع حركة حماس، إلى "إيه 2" A2 مع نظرة مستقبلية سلبية.
ومن شأن الخفض في تصنيف إسرائيل الائتماني التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي بعدة طرق؛ فالتصنيف الائتماني لدولة ما، أو التصنيف الائتماني السيادي، هو درجة تُمنح لبلد ما بناء على كيفية إدراك وكالة التصنيف قدرته على سداد ديونه.
ومن تداعيات الحرب على غزة أيضاً، اضطرار بنك إسرائيل (البنك المركزي) الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند مستوى 4.5% وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في الضبابية الجيوسياسية التي أثرت بشكل واضح على الإنفاق والاستثمارات المحلية والأجنبية.
التداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة امتدت إلى أبعد من ذلك لتصيب الموسم السياحي داخل الكيان بمقتل، وخاصة مع إعلان العديد من شركات الطيران الأجنبية إيقاف رحلاتها الجوية إلى، ومن بين أكثر من 150 شركة طيران كانت تعمل قبل الحرب، استأنفت حوالي 45 شركة فقط عملياتها المحدودة من وإلى "إسرائيل".
وتشير التقديرات في هذا السياق إلى أن ما يقرب من 50 ألف إسرائيلي تأثروا بإلغاء الرحلات الجوية في الأيام الأخيرة، ويواجه الكثيرون احتمال قضاء عيد الفصح في المنزل أو تحمل أسعار باهظة لترتيبات سفر بديلة.
تأثير الحرب على الموسم السياحي لم تقف على إلغاء الرحلات الجوية بل دفع بسلطات الاحتلال إلى إغلاق جبل حرمون "جبل الشيخ" المشهور بأنه الموقع الوحيد في إسرائيل لتساقط الثلوج بانتظام.
ولم يؤثر الإغلاق على موظفي جبل حرمون البالغ عددهم 300 موظف فحسب، بل امتد أيضاً إلى الفنادق والمطاعم والمتاجر الرياضية وغيرها من الشركات التي تعتمد على السياحة.
وبعيداً عن تأثر الموسم السياحي، وفي سياق تداعيات الحرب "الإسرائيلية" على غزة، ارتفع عدد الباحثين عن العمل من سكان المستوطنات الإسرائيلية التي أخليت والمتاخمة لقطاع غزة (جنوبا) أو تلك القريبة من لبنان (شمالا) إلى مستوى قياسي، فقد تضاعف عدد الباحثين عن العمل في أوساط نازحي المستوطنات الحدودية بأكثر من 330% خلال مارس/آذار الماضي مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023. وهو أكبر بكثير من النسبة المسجلة كزيادة في معدل البطالة في الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام الحالي والمقدرة بمستوى 3.3%.
وبلغ عدد الباحثين عن عمل 8400 خلال مارس/آذار الماضي، وذلك مقارنة بـ2500 باحث عن عمل في مارس/آذار 2023.
وتسببت الحرب أيضاً في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال -حوالي 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم- حيث تم إيواؤهم في 438 فندقا ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الوزارات الحكومية 6.4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية.
وبمرور نصف عام على الحرب يقف الاقتصاد الإسرائيلي أمام مفترق طرق، مع انهيار وشلل شبه تام وخسائر فادحة بقطاع البناء والعقارات، وبالصناعات والزراعة والسياحة الداخلية، وذلك مع استمرار الارتفاع في كلفة الحرب وتداعياتها على الموازنة العامة لإسرائيل، التي تعاني عجزا بقيمة 6.6% من الناتج الاجمالي المحلي .