الاحتياطي الفيدرالي يواجه اختبار الثقة.. هل يلتزم بخفضين للفائدة رغم تصاعد الغموض والتوترات ؟

الاحتياطي الفيدرالي يواجه اختبار الثقة.. هل يلتزم بخفضين للفائدة رغم تصاعد الغموض والتوترات ؟
يُتوقع على نطاق واسع أن يُبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماعه المرتقب هذا الأسبوع، غير أن أنظار المستثمرين ستكون شاخصة نحو ما هو أبعد من القرار الفوري: هل لا يزال صناع السياسة النقدية في البنك المركزي ملتزمين بتخفيضين لأسعار الفائدة خلال العام الحالي؟
ويصدر الفيدرالي يوم الأربعاء أحدث تحديث لتوقعاته الاقتصادية، متضمنًا ما يُعرف بـ"مخطط النقاط" (DOT PLOT)، وهو رسم بياني يُحدّث كل ثلاثة أشهر ويُظهر توقعات مسؤولي الفيدرالي الفردية لمسار سعر الفائدة الأساسي. وكان آخر تحديث في مارس قد أشار إلى إجماع واسع على خفضين متوقعين هذا العام، في ظل تنامي القلق من حالة عدم اليقين التي تفرضها السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس دونالد ترامب. وتكررت نفس التوقعات في ديسمبر الماضي.
لكن المناخ الجيوسياسي والاقتصادي ازداد ضبابية في الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد التصعيد العسكري الأخير بين "إسرائيل" وإيران، وما صاحبه من مخاوف حول أسعار النفط والتضخم العالمي.
مخطط النقاط في دائرة الضوء
ترى إيستر جورج، الرئيسة السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، أن "هذا الاجتماع سيكون محوره الأساسي هو مخطط النقاط". وأوضحت أن صانعي السياسة "سيكونون متحفظين في الإشارة إلى أي تغيير عن توقعاتهم السابقة".
ويتفق معها لوك تيلي، كبير الاقتصاديين في "ويلمنغتون ترست"، الذي لا يتوقع تغييرات جوهرية في التقديرات، مؤكدًا: "السرد السائد ما زال يشير إلى خفضين للفائدة، وأتوقع أن يستمر ذلك".
ترامب يصعّد الضغط السياسي... دون قرارات حاسمة
في خلفية المشهد، يواصل الرئيس ترامب ضغوطه العلنية على رئيس الفيدرالي جيروم باول، منتقدًا ما يعتبره "تباطؤًا" في خفض الفائدة، ومطالبًا بتخفيض فوري بواقع نقطة مئوية كاملة. وفي تصريح ناري الأسبوع الماضي، قال ترامب: "قد أضطر إلى فرض شيء"، إلا أنه أضاف أنه لا ينوي إقالة باول قبل انتهاء ولايته في 2026، تفاديًا لأي مواجهة قانونية محتملة.
ترامب وصف باول علنًا بأنه "غبي"، في حلقة جديدة من سلسلة الإهانات التي وجهها له خلال الأشهر الماضية، مبررًا دعوته بخفض الفائدة بانخفاض التضخم. لكن داخل الفيدرالي، لا تزال هناك مخاوف من أن الرسوم الجمركية المتصاعدة قد تكون محركًا جديدًا للتضخم، أكثر من كونها وسيلة للحماية الاقتصادية.
التضخم الجمركي يقلق الفيدرالي
يقول غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين في "EY-PARTHENON"، إن باول سيركز على أن الرسوم الجمركية قد تطيل أمد التضخم، وهو ما يعقّد مهمة الفيدرالي في التوازن بين دعم النمو وضبط الأسعار. وأضاف: "رغم تباطؤ التضخم نسبيًا، إلا أنه لا يزال أعلى من المستوى المستهدف البالغ 2%، وسوق العمل لا تزال في وضع التوظيف الكامل، ما يقلل من الحاجة الفورية لخفض الفائدة".
وسجل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) ارتفاعًا بنسبة 2.8% على أساس سنوي حتى مايو، وهو نفس مستوى أبريل. فيما بلغ معدل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (CORE PCE) نسبة 2.5% في أبريل، نزولًا من 2.7% في مارس، لكنه يظل فوق الهدف المحدد.
ويرى تيلي أن الضغوط التضخمية تتركز حاليًا في قطاع الإيواء، الذي يُظهر تراجعًا تدريجيًا، وهو ما يفتح المجال أمام نهج أكثر ترويًا من جانب الفيدرالي.
سوق العمل مستقرة... ولا حاجة ملحة لتغيير السياسة
تباطؤ سوق العمل، دون انهيارها، يعزز موقف الفيدرالي بعدم التسرع. لا يزال معدل البطالة مستقراً عند 4.2%، بينما تنمو الأجور بوتيرة تقارب 4% سنويًا، وهو ما لا يبرر خفضًا سريعًا للفائدة. ويرى العديد من المستثمرين أن أول خفض للفائدة قد لا يأتي قبل سبتمبر.
وتقول لوريتا ميستر، الرئيسة السابقة لفيدرالي كليفلاند: "السؤال الحقيقي هو: ما الذي سيحدث في النصف الثاني من العام؟"، مشيرة إلى أن درجة الغموض ما زالت مرتفعة، سواء في ما يخص الرسوم الجمركية أو تأثيرها على النمو.
وترى ميستر أن إبقاء الفائدة على ما هي عليه الآن لا يمثل تكلفة كبيرة، مقارنة بالحصول على مزيد من الوضوح بشأن متغيرات الصيف الاقتصادية. بينما يدعو تيلي إلى "ترك الباب مفتوحًا أمام خفض محتمل في يوليو"، محذرًا من تكرار خطأ العام الماضي، حين استبعد الفيدرالي خفضًا ثم اضطر لتخفيض بـ50 نقطة أساس لاحقًا.
أفق 2025: خفض تدريجي وبطيء
يُقدّر مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين في "جي بي مورغان"، أن أول خفض للفائدة لن يأتي قبل ديسمبر، مشيرًا إلى أن الفيدرالي سيُفضل مراقبة تداعيات الرسوم قبل اتخاذ أي قرار. ويتوقع فيرولي أن يشهد عام 2025 ثلاثة تخفيضات متتالية، لتستقر الفائدة في نطاق 3.25%-3.5%، نزولًا من المستوى الحالي البالغ 4.25%-4.5%.
وتختم جورج تحذيرها من "تعديلات حادة أو تغييرات كبيرة قد تُربك الأسواق"، قائلة: "لا أعتقد أن الفيدرالي يريد إرسال إشارات بأن السياسة ستظل متشددة لفترة أطول، بينما لم يُحسم القرار بعد".